WhatsApp

لماذا يحن المدمن لبيئته القديمة السامة؟

الإدمان ليس مجرد عادة سيئة يمكن التخلص منها بسهولة، بل هو مرض معقد يؤثر على الجسد والعقل معًا. يواجه المدمن في رحلة التعافي العديد من التحديات، ومن أبرزها تلك الرغبة المستمرة في العودة إلى البيئة التي كانت سببًا في بداية المشكلة، حتى وإن كانت هذه البيئة مليئة بالسموم والضغوط النفسية. قد يتساءل البعض عن سبب حنين المدمن إلى تلك البيئة رغم معرفته بتأثيرها السلبي عليه، ولكن الجواب ليس بسيطًا.

لماذا يحدث هذا الحنين؟

الشعور بالوحدة

الشعور بالوحدة من أصعب المشاعر التي يمكن أن يواجهها المدمن بعد بدء رحلة التعافي. عند خروجه من بيئته القديمة، يجد نفسه في عالم جديد غير مألوف، حيث يمكن أن يشعر بالوحدة الشديدة وعدم الانتماء. في تلك اللحظات، يبدأ المدمن في البحث عن أي شيء يوفر له شعورًا بالأمان والانتماء، وهذا غالبًا ما يدفعه للحنين إلى العلاقات والأماكن القديمة.

حتى وإن كانت تلك العلاقات مضرة وسامة، إلا أنها في عيون المدمن كانت توفر له شيئًا مهمًا: القبول والتفاهم دون الحاجة إلى التبرير أو الدفاع عن نفسه. قد يجد المدمن نفسه محاطًا بأشخاص يحكمون عليه بناءً على ماضيه أو يخافون من التعامل معه بسبب سلوكياته السابقة، وهذا يزيد من شعوره بالوحدة والرغبة في العودة إلى البيئة التي لم تكن تصدر عليه أحكامًا.

التجارب المشتركة

الإدمان يوحد بين الأشخاص بطريقة غريبة. الأصدقاء الذين شاركوا المدمن في فترات إدمانه قد يكونون مروا بنفس التجارب، مما يجعل بينهم نوعًا من التفاهم الضمني والتواصل السهل. عندما يشعر المدمن بالعزلة في بيئته الجديدة، يبدأ في استرجاع تلك اللحظات المشتركة مع أصدقائه القدامى. هذه الذكريات قد تكون مليئة بالألم، لكنها أيضًا تحتوي على لحظات من الفهم والتواصل العميق.

هذه التجارب المشتركة تجعل المدمن يحن إلى تلك العلاقات، حيث يمكن أن يتحدث عن مشاعره دون الخوف من الحكم عليه. بينما في البيئة الجديدة، قد يشعر بأنه غريب أو غير مفهوم، مما يعزز لديه الرغبة في العودة إلى أصدقائه القدامى، حتى وإن كانوا جزءًا من مشكلته الأصلية.

التقبل بدون حكم

في بيئة الإدمان، قد يشعر المدمن بأنه مقبول كما هو، دون أن يتعرض للحكم أو الانتقاد. تلك البيئة قد تكون مليئة بالسلبيات، لكنها قدمت له ما يحتاجه في تلك اللحظة: قبول غير مشروط. خارج هذه البيئة، قد يشعر المدمن بأنه يتعرض للنقد أو الحكم على سلوكياته السابقة. هذا التوتر بين الرغبة في التعافي والخوف من الحكم الاجتماعي قد يدفع المدمن للحنين إلى البيئة التي لم تكن تُصدر عليه أي أحكام. هناك، قد يكون شعر بالأمان والقبول، حتى وإن كانت تلك العلاقات مضرة له على المدى الطويل.

البحث عن الهوية

عندما يكون الشخص غارقًا في الإدمان لفترة طويلة، يبدأ الإدمان في تشكيل جزء من هويته. يتعود الشخص على هذه الهوية، ويرى نفسه من خلالها. عند بدء رحلة التعافي، يتعين على المدمن أن يعيد تعريف نفسه وبناء هويته الجديدة بعيدًا عن الإدمان. هذه العملية قد تكون صعبة ومربكة، لأن الشخص يجب أن يواجه نفسه ويعيد اكتشاف من يكون خارج إطار الإدمان.

في تلك اللحظات من عدم الوضوح والارتباك، يعود المدمن إلى ما يعرفه، حتى وإن كان ذلك الشيء سامًا. البيئة القديمة تمنحه إحساسًا بالأمان والهوية، حتى وإن كانت مضرة. هذا الشعور بالراحة في التعرف على الذات من خلال بيئة الإدمان يمكن أن يكون سببًا رئيسيًا في الحنين لتلك البيئة.

مقاومة التغيير

التغيير صعب، خاصة عندما يكون الشخص معتادًا على نمط حياة معين لفترة طويلة. الإدمان يمثل جزءًا من روتين حياة المدمن، والتغيير عنه يمثل تحديًا كبيرًا. المدمن يحتاج إلى وقت وصبر للتكيف مع الحياة الجديدة، والتخلي عن البيئة القديمة قد يجعله يشعر بالخسارة أو الفقدان.

التغيير يتطلب جهدًا نفسيًا وعاطفيًا كبيرًا، وهذا الجهد قد يشعر المدمن بالإرهاق، مما يدفعه إلى التفكير في العودة إلى ما هو مألوف وسهل. البيئة القديمة تمثل لهذا الشخص الراحة والمعرفة، في حين أن البيئة الجديدة قد تبدو مرهقة وغير مريحة.

كيف يمكن بناء بيئة جديدة؟

لكي يتمكن المدمن من التعافي الكامل والتخلص من حنينه لبيئته القديمة، يجب أن يعمل على بناء بيئة جديدة وصحية توفر له الدعم الذي يحتاجه. التعافي ليس مجرد عملية جسدية؛ بل هو عملية شاملة تشمل الجوانب النفسية والعاطفية أيضًا. البيئة الجديدة يجب أن تكون داعمة وتشجع على النمو والتطور.

تطوير شبكة دعم جديدة

أول خطوة يجب أن يتخذها المدمن في رحلته نحو التعافي هي بناء شبكة دعم جديدة تحتوي على أصدقاء وعائلة يقدمون الدعم الإيجابي. هؤلاء الأشخاص يجب أن يكونوا قادرين على فهم احتياجات المدمن ودعمه دون الحكم عليه. هذه الشبكة من العلاقات الجديدة يمكن أن تمنح المدمن الشعور بالقبول والانتماء الذي كان يبحث عنه في بيئته القديمة.

الانخراط في أنشطة جديدة

الحياة المليئة بالأنشطة الإيجابية والمفيدة تُساعد المدمن على الابتعاد عن التفكير في العودة إلى البيئة السامة. المشاركة في أنشطة جديدة، مثل الرياضة أو تعلم هواية جديدة، يمكن أن توفر للمدمن فرصة لتكوين علاقات جديدة واكتشاف جوانب إيجابية في شخصيته.

إيجاد بيئة تشجع على النمو والتطور

من المهم أن يبحث المدمن عن بيئات تدعمه وتساعده في النمو والتطور، مثل المجموعات الداعمة أو المجتمعات التي تروج لنمط حياة صحي. هذه البيئات توفر الدعم النفسي والعاطفي اللازم للمدمن كي يشعر بالاستقرار والراحة.

الحصول على دعم مهني

العلاج النفسي والمشورة يمكن أن يساعدا المدمن في التعامل مع المشاعر والحنين إلى الماضي. الدعم المهني يمكن أن يقدم للمدمن الأدوات اللازمة للتعامل مع الضغوط النفسية والتحديات التي قد يواجهها في رحلته.

الخاتمة

الشعور بالحنين لبيئة قديمة ليس غريبًا ولا غير منطقي بالنسبة للمدمن. فهذه البيئة، رغم كونها سامة وضارة، تمثل شعورًا بالانتماء والقبول في لحظات الضعف. ومع ذلك، لتحقيق التعافي الكامل، من الضروري أن يعمل المدمن على بناء بيئة جديدة وصحية توفر له الدعم والتشجيع الذي يحتاجه.

Scroll to Top